مَشاهد إخضاع السُّود – سعيدية هارتمن

ترجمة: علي المجنوني

ما يهمني [في هذا الفصل] هو الطبيعة الفُرجويّة لمعاناة السود وما يضادّها من إخفاءِ المعاناةِ من خلال الفُرجةِ أيضا. فمن ناحيةٍ يدلّ الجمع بين مشاهدِ القسوةِ المتخيّلةِ مع تلك المنتزَعة من السلطةِ المطلقةِ على مأزقِ الشهادة witnessing الناجمة عن الإخضاع القانوني للمستعبَدين. في الوقت نفسه تولّد الأبعادُ الفُرجويةُ للرّقِ مأزقَ الشهادةِ هذا بالقدر الذي يفعله قمعُ شهاداتِ السُّود، حيث ما دام الجسدُ يتحدثُ فإنه مُجبَرٌ على التحدث عن حقيقةِ السيّد المستعبِد ومضاعفة قوته من خلال فرض الألم وتكثيفه. يزيد من تعقيد هذا كلّه الغناءُ «النيّئ» و «الرّكيك» الذي يُربك شفافيةَ الشهادة ويعقّد فهمَ العبودية تعقيدا جذريا.

Lynching of a black man, 1882

في ظلّ هذه المخاوف يتناول هذا الفصل الأسئلة التالية: هل يعيد إضفاءُ الإنسانية على المستعبَدين وضعَهم الخاضعَ للاستعباد بما في ذلك من مفارقة؟ هل تقدّم القدراتُ الرمزيةُ للسَّواد تجاربَ فانتازيةً للبيض في الوقت الذي تزيد فيه من احتماليةِ اختفاءِ الأسير؟ هل يستطيع الاعتناق الأخلاقي للألم أن يخلّص نفسه من الملذات التي يولّدها الإخضاعُ؟ بعبارةٍ أخرى هل يُبهج مشهدُ العبدِ المضطهدِ عند البوابةِ الملطخةِ بالدماء السيدَ القميءَ ويمنحُ المستقيمين والصالحين ملذاتٍ دسمةً؟ هل فعل «المشاهدة» ضربٌ من النظرِ لا يقل تشابكا مع استخدامِ القوة واستخراجِ المتعة؟ هل تهدّئ رقصةُ الأسير الحزنَ أو تعبّر عن شخصيةِ السلطةِ المشحونة والمفضوحة والمستحيلة؟ أم أنها تطرح مثالا على استخدامِ الجسد أداةً ضد النفس؟

A crowd surrounding two African American lynching victims, 1889

تتحول مناظرُ الإخضاع المتناولةُ بالدراسة هنا —فُرجات الإكراه المنسَّقة لتشجيع الاتّجار باللحم الأسود، ومشاهد التعذيب والاحتفالية، ومأساة النساء العفيفات، وغرائب الداكنين الشنيعة— كل هذه تتحول إلى محاكاةِ السلطة والإسراف في الاستمتاع بالسُّود. يمكن أن يُعزى اقترانُ الأدائية والسَّواد إلى إضفاءِ الطابع الفُرجَويّ على ألمِ السودِ والمفاهيم العنصرية لطبيعة الزنجي على أنه مرتاحُ البالِ وصبيانيٌّ ومُتعَويٌّ وغيرُ مُبالٍ بالمعاناة، وإلى سوء فهمٍ مقصودٍ للترابط بين العمل والغِناء الشائع بين المستعبَدين. لقد ظلّ تكوين السّواد شرطا خسيسا ومنحطّا يسير والافتتان بمتعة الآخر جنبا إلى جنب. علاوةً على ذلك كان يُنظر إلى السود أساسا بوصفهم وسيلةً لمتعة البِيض، بسائر أساليبها المتنوعة التي لا توصف. جاء هذا نتيجةً لوضع الأسير بوصفه متاعا ممتلَكا chattel بقدر ما كان نتيجةَ التمتّع المسرف المنسوب إلى الآخر، حيث كان يُنظر إلى أولئك الذين أجبروا على الرقص على أسطح سفن الرقيق التي تعبر الممر الأوسط وتصعيد رقصهم بحيوية في ساحة المزاد، وتسلية السيد وأصدقائه، باعتبارهم مقدِّمون للمتعة. وعلى ضوء هذا يجب مراعاة الشعبية المذهلة التي كان يتمتع بها «داكنو» مسرح عروض الإنشاد minstrel shows. لقد تشابهت المتغيراتُ المتعارضةُ من العنصرية المتراوحة من رعوية مزارع العبودية إلى العنصرية الرومانسية لمؤيدي إلغاء الرقّ، تشابهت في تشكيلها الأفريقيين على أنهم صبيانيون وبدائيون وقانعون ويتمتعون بمواهب هائلة في المحاكاة. هذه السمات حددت في الأساس شخصيةَ «السامبو» الشهيرة وسيئةَ السمعة. ولهذا التاريخ أهميةٌ مركزيةٌ عند تقييم سياسات المتعة، واستخدامات ملكية العبيد، وتكوين الذات، وتكتيكات المقاومة، حتى إنه لا يمكن حقا فهمُ التقارب بين الرعب والمتعة خارج هذا التاريخ.


* من كتاب بعنوان «مشاهد الإخضاع».

اكتب تعليقًا